
بسام عورتاني: صناعة الخوف ليس مقتصراً على الانظمة الاستبدادية، وإنما هو بالأصل استراتيجية تقليدية في التربية. سواء كانت نماذج التربية تقليدية ام حداثية فهي تسعى إلى صناعة الخوف عبر ادوات العقاب التي تسمح لنفسها بأن تستخدمها.
كافة المؤسسات التي تساهم بالتربية بداية من الأسرة وصولا إلى تقنيات المجتمعات الشبكية ترسّخ هذه الصناعة بل وصلت إلى ابتداع طرق حديثه للاستمرار في صناعة الخوف. فلم يعد الخوف فقط مرتبط بحالة نفسيه يفرضها آخر مجهول أو آخر يمتلك وسائل القهر والاخضاع سواء كان طبيعة، أفراد، أنظمة. وإنما وصلت الحالة النفسية إلى الخوف من الذات القائمة باعتبارها كيان متعدد الهويات وخليط من الأبنية الثقافية التي تكونت بفعل القهر الخاص والعام وبتقنيات قديمة وحديثة معاً.
بفعل القهر والاستبداد الخارجي وبفعل العقم الفكري وجمود النماذج الثقافية التي يتحرك بها العقل العربي خصوصاً. أصبحت صناعة الخوف عملية داخلية ذاتية لدى الافراد تبدأ من الخوف من الجسد والعقل معا، ويظهر ذلك بالرقابة الذاتية على انفعالات الجسد والعقل بحيث لا نسمح لكلاهما أن يتفاعلا مع احتياجاتهما ورغباتهما بشكل حر. (علما وان المنظومات الأخلاقية والدينية التي توكل لنفسها مهمة تأطير تلك الاحتياجات والرغبات، يقتصر اشتغالها في مستوى الخطاب فقط، أي لا يتم تطبيقها فعليا كما يدعي الخطاب العام. ناهيك عن نقاش مدى صلاحيتها اصلا).
ما زلنا نسعى إلى اخضاع ذواتنا لنمطية فكرية ولحركة جسدية فرضها تاريخ الاستبداد بكافة اشكاله، وذلك خوفاً من ذواتنا ورقابة عليها لكي لا يتشكل مفهوم “الرفض الحر” ويصبح حاله جماعية. نحن نخاف من ذواتنا لأننا نخاف من الافصاح عن رفضنا لهويتنا في مرحلة ما.
صناعة الخوف مكمنها في إبقاء الافراد رهينة لطرق التفكير البالية غير العلمية. ادواتها التشكيك الحاد بكل الافكار التي يمكن أن تزعزع أركان الثقافة الفاسدة باستخدام المرجعيات التقليدية، والتشكيك بالذات كعملية ذاتية نعيشها يوميا. فأصبحت ذواتنا هشه لا تستحمل حتى إهمال الأصدقاء الافتراضيين على مواقع التواصل الاجتماعي.. لقد تم توجيه الحالة النفسية الناتجه عن إنتظارات أفعال سلبيه من آخر مجهول او صاحب آلة استبداد(الخوف من آخر) إلى إنتظارات لافعال سلبية من ذواتنا اذا ما تحررت من سلاسلها الفكريةوالثقافية.
ما زلنا نخاف من تحرر ذواتنا أيها العالم… لذا سيتفوق عالم الحيوان على عالم الإنسان (مجازاً)