عن غسان كنفاني.. فلسطين التي لا تخاف الوقت
24FM – خالد جمعة – ماذا يمكن أن نكتب عن غسان كنفاني بعد خمسين عاماً من استشهاده الهوليودي؟
ربما يكون السؤال الأنسب: ما الذي جعل غسان كنفاني يعيش في ذاكرة فلسطين كل هذا الوقت، وكأنه حاضر في الغرفة المجاورة؟.
ربما توجد مليون إجابة لهذا السؤال، وربما لا يستطيع أحد الإجابة بشكل دقيق عن ذلك، فنحن لا نعرف بشكل مؤكد عن الأسباب التي تجعل شخصا يقطع التاريخ كله مشيا على الأقدام، ويبقى في المشهد، مثل أخيل الإغريقي، وكليوباترا المصرية، وعبد الرحمن الداخل الأموي…
ولد غسان في عكا في التاسع من نيسان 1936، وهو روائي وقاص وصحفي فلسطيني، من أشهر الكتاب العرب في القرن العشرين، وربما في تاريخ الأدب العربي كاملاً، فما زالت أعماله متجذرة في الثقافة العربية عموما، والفلسطينية على وجه الخصوص.
عاش غسان في يافا حتى أيار 1948، حيث لجأت عائلته نتيجة النكبة إلى لبنان، ثم إلى سوريا.
تخرج والده من معهد القدس كمحام، وكان يترافع في قضايا معظمها وطنية خاصة أثناء ثورات فلسطين، واعتقل مرارا فكانت إحداها بإيعاز من الوكالة اليهودية، وقد قام بتدوين مذكراته يوماً بيوم، ونقلها معه حيثما ارتحل، وغسان، ثالث الأبناء، هو الوحيد الذي ولد في عكا، فأمه حين جاءها المخاض لم تستطع أن تصل إلى سريرها قبل أن تضع وليدها، وكاد الوليد يختنق بسبب ذلك.
التحق غسان بمدرسة الفرير بيافا، وكان مثار حسد لأنه يدرس الفرنسية زيادة عن غيره، كانت أسرته تعيش في حي المنشية بيافا وهو حي ملاصق لتل أبيب، وقد شهد أولى حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود التي بدأت هناك إثر قرار تقسيم فلسطين، مما جعل الوالد يعود بهم إلى عكا، وفي أواخر نيسان 1948 اضطرت الأسرة لمغادرة البلاد نتيجة الهجوم المتكرر من العصابات الصهيونية على المدينة.
افتتح أبوه مكتباً لممارسة المحاماة، فأخذ غسان يعمل في تصحيح بروفات الصحف إلى جانب دراسته، واشترك في برنامج فلسطين في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة، وكان يكتب بعض الشعر والمسرحيات والمقطوعات الوجدانية، بتشجيع من شقيقته، وأثناء دراسته الثانوية برز تفوقه في مادتي الأدب العربي والرسم، وعندما أنهى الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئين “مدرسة الاليانس” بدمشق، والتحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي، وأسند إليه وقتها تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي، وكان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصي. وذلك بالإضافة إلى معارض الرسم الأخرى التي أشرف عليها، وفي تلك المرحلة انخرط في حركة القوميين العرب.
عام 1955 عمل في التدريس في المعارف الكويتية، وهي الفترة التي أقبل فيها على القراءة بشكل غير معقول، فيقول عن نفسه في تلك الفترة: لا أذكر يوما نمت فيه دون أن أنهي كتابا كاملا، أو ما لا يقل عن ستمئة صفحة.
في أوائل ثورة 1958 التي أوصلت عبد الكريم قاسم إلى حكم العراق، زار غسان بغداد ورأى بحسه الصادق انحراف النظام، فعاد وكتب عن ذلك بتوقيع “أبو العز” مهاجماً النظام العراقي، فقامت قيامة الأنظمة المتحررة ضده إلى أن ظهر لهم انحراف الحكم فعلا فكانوا أول من هنأه على ذلك مسجلين سبقه في كتاب خاص بذلك.
أولى قصصه القصيرة “القميص المسروق” كتبها في الكويت، ونال عليها الجائزة الأولى في مسابقة أدبية. ثم ظهرت عليه بوادر مرض السكري في الكويت أيضاً، وكانت شقيقته التي سبقته للعمل في الكويت، قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة مما زاده ارتباطاً بها، وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التي ولدت في كانون الثاني1955، فصار غسان يحضر للميس في كل عام مجموعة من أعماله الأدبية والفنية ويهديها لها، وكانت هي أيضاً شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر بها أمام رفيقاتها.
عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية، فبيروت كانت فرصة غسان للقاء بالتيارات الأدبية والفكرية والسياسية، أخذ إضافة إلى عمله في مجلة الحرية يكتب مقالاً اسبوعيا لجريدة “المحرر” البيروتية والتي كانت ما تزال تصدر أسبوعيا صباح كل إثنين.
بعد أن استلم رئاسة تحرير جريدة “المحرر” اليومية استحدث صفحة للتعليقات السياسية الجادة وكان يحررها هو وآخرون. وقد استحدثت إحدى كبريات الصحف اليومية في بيروت صفحة مماثلة.
في عام 1961، وفي يوغوسلافيا، عُقد مؤتمر طلابي اشتركت فيه فلسطين، وكان هناك وفد دانماركي، من بين أعضائه فتاة متخصصة في تدريس الأطفال، قابلت الفتاة الوفد الفلسطيني، ولأول مرة تسمع عن القضية الفلسطينية، فرغبت في الاطلاع على المشكلة، فسافرت إلى البلاد العربية مرورا بدمشق، ثم بيروت حيث أوفدها أحدهم لمقابلة غسان كنفاني كمرجع للقضية، وقام غسان بشرح الموضوع للفتاة وزار وإياها المخيمات وكانت هي شديدة التأثر بحماس غسان للقضية، وكذلك بالظلم الواقع على هذا الشعب. ولم تمض على ذلك عشرة أيام إلا وكان غسان يطلب يدها للزواج وقام بتعريفها على عائلته كما قامت هي بالكتابة إلى أهلها، فتروجا في التاسع عشر من تشرين أول 1961، وأنجبا فايز، أول الأبناء في 24-8-1962.
أصيب غسان بالنقرس كأحد مضاعفات السكري، لكن ذلك لم يتحكم في نشاطه أو قدرته على العمل.
غسان كنفاني هو أول من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم وتحدث عن أشعارهم وعن أزجالهم الشعبية في الفترات الأولى لتعريف العالم العربي على شعر المقاومة، لم تخل مقالة كتبت عنهم من معلومات كتبها غسان وأصبحت محاضراته عنهم ومن ثم كتابه عن “شعراء الأرض المحتلة” مرجعاً مقرراً في عدد من الجامعات وكذلك مرجعا للدارسين.
الدراسة الوحيدة الجادة عن الأدب الصهيوني كتبها غسان، ونشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان “في الأدب الصهيوني“.
عمل غسان خلال مسيرته عضوا في أسرة تحرير مجلة “الرأي” في دمشق، وعضوا في أسرة تحرير مجلة “الحرية” في بيروت، ورئيسا لتحرير جريدة “المحرر” في بيروت، ورئيس تحرير “فلسطين” في جريدة المحرر، ورئيس تحرير ملحق “الأنوار” في بيروت، وصاحب ورئيس تحرير “مجلة الهدف” في بيروت، كما صمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورسم العديد من اللوحات.
كما كتب مقالات نشرها تحت اسم مستعار “فارس فارس” في “ملحق الأنوار” الأسبوعي، ومجلة “الصياد“.
كان غسان يردد: “الأطفال هم مستقبلنا”، لذا فقد كتب الكثير من القصص التي كان أبطالها من الأطفال، ونُشرت مجموعة من قصصه القصيرة في بيروت عام 1978 تحت عنوان “أطفال غسان كنفاني”، أما الترجمة الإنجليزية التي نشرت في عام 1984 فكانت بعنوان “أطفال فلسطين“.
ترجمت معظم أعمال غسان كنفاني ونشرت في حوالي 16 لغة في عشرين دولة مختلفة، وتم إعداد بعض للمسرح، وكانت رواية “رجال في الشمس” هي أول ما نقل إلى اللغة الإنجليزية في السبعينيات وصدرت عن دور نشر في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
في صباح السبت، 8-7-1972، في العاشرة والنصف صباحا، انفجرت عبوة ناسفة في سيارته، حيث كانت برفقته ابنة شقيقته لميس حسين نجم “17 عاماً”، في منطقة الحازمية في بيروت، فاستشهد غسان ولميس، وتناثر جسد غسان لمئات الأمتار، ولم يتم التعرف إليه إلا من خاتم في إصبعه، وقد قام الموساد بهذه العملية لاتهامه غسان بالمسؤولية عن عملية خطف الطائرات التي فجرت في الأردن، وبعض الروايات تقول إن سبب الاغتيال هو منع غسان من الشهادة في المحكمة الأمريكية في قضية رفعتها شركة الطيران المالكة للطائرات المخطوفة ضد شركة التأمين، وكانت هذه الشهادة ستثبت شرعية المقاومة الفلسطينية في المحاكم الأمريكية.
دفن غسان في مقبرة الشهداء في بيروت.
أطلقت “مؤسسة فلسطين العالمية” للأبحاث والخدمات، جائزة ثقافية سنوية باسمه، ومقرها مدينة عمان في الأردن.
قال محمود درويش عنه: لدى قراءة كنفاني اليوم نكتشف، أولاً ودائماً، أنه في عمق وعيه كان يدرك أن الثقافة أصل من عدة أصول للسياسة، وأنه ما من مشروع سياسي دون مشروع ثقافي، لعل المسعى الأهم لبحوث كنفاني الأدبية هو ذلك المتمثل في ترسيخ أسس ولادة الفلسطيني الجديد، لجهة التأني عن الإنسان المجرد والفلسطيني المجرد والاقتراب من الإنسان الفلسطيني الذي يعي أسباب نكبته ويدرك أحوال العالم العربي ويعرف أكثر ماهية الصهيوني الذي يواجهه، وهذه المهمة لا تستطيع أن تقوم بها إلا ثقافة في مفهومها النقدي، المتجاوز لما هو سائد، الذي يقطع مع القيم البالية.
أعماله:
قدم كنفاني خلال حياته القصيرة [36 عاما]، عددا كبيرا من الروايات والقصص والمسرحيات والدراسات الأدبية، وهي:
عالم ليس لنا، موت سرير رقم 12، أرض البرتقال الحزين، رجال في الشمس، رواية تم تحويلها إلى فيلم بعنوان “المخدوعون”، أم سعد، عائد إلى حيفا، الشيء الآخرـ أو من قتل ليلى الحايك، صدرت بعد استشهاده، القنديل الصغير، القبعة والنبي، القميص المسروق، جسر إلى الأبد، ما تبقى لكم، الباب، أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968، في الأدب الصهيوني.
العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان، ثلاث روايات غير مكتملة.
كما أن له رواية بعنوان “العبيد: لم تنشر في كتاب، لكنها نشرت مسلسلة في مجلة الطليعة الكويتية الأسبوعية، من العدد 32 في 22/5/1963 حتى العدد 48 في 11/9/1963، ويقال إنها أولى رواياته.