في اليوم التالي بعد الحرب!
هلا الزهيري- 24FM
عندما تنتهي الحرب وتهدأ الأخبار؛ حرب من نوع آخر يعيشها أولئك الذين نجوا من الصواريخ.
نور سويركي واحدة من هؤلاء وهي ناشطة مجتمعية وأم لطفلين (ابن في الثانية عشر وابنة في التاسعة)، تسكن في حي الرمال وسط مدينة غزّة.
بين تصعيد لساعات وعدوان لأيام؛ عاشت نور كافة الحروب التي شنّت على قطاع.
الحرب انتهت بالأمس، ونور تحدّثنا اليوم وهي على رأس عملها!
كيف يبدو اليوم التالي بعد الحرب؟
على الشط
اليوم الأول بعد الحرب هو يوم تجمّع للمواطنين أمام البحر كأن الناس تطهر أنفسها من هول ما رأت تقول نور.
وتستعيد اللحظة الأولى “الضربة الأولى كانت على بعد شارعين من بيتنا، وكنّا عائدين من نزهة على البحر وقررنا الاستراحة قليلاً استيقظت على الصوت 4 ضربات.
بدأ التوتر واشتغلت القنوات الإخبارية وعلا صوت الزنانة.
فعلم أولادي أن حرباً قد بدأت!
ثم شرعنا بترتيب الشنط؛ وفي هذه المرّة وضبت ابنتي شنطتها بنفسها وذكرتني بالأوراق المهمة: ماما ما تنسي شهادات الميلاد والهويات.
“زومبي”
بتعرفي الزومبي الذي يظهر بالأفلام؟ أنا هذا الزومبي.
تقول سويركي في حديثها لـ 24FM مضيفةً وهي تصف لنا اليوم التالي للحرب
“كأن أحداً أيقظني من الموت وتركني أسير بالشارع”.
انت عايش وميت في ذات الوقت تقول نور وهي تبكي.
“بحكي معك بالوقت اللي لسة بفكر فيه شو اعمل اليوم؟ بدي انظف البيت وأروح عند أهلي بدي اخد ولادي مشوار”.
شعور مختلط مبسوط إنك عايش وبنفس الوقت بتفكر بالناس اللي ماتت.
توجهت نور إلى عملها غير مدركة ما حصل. وتشعر برغبة بالتوجه إلى منزل والديها “بدي اروح عند أهلي، كان ممكن نفقد بعض، بدنا اشي يطمنا وهاد شعور بصير لما نشوف أهلنا”.
عندما أخبرت أولادها صباحاً أنها متجهة إلى العمل، تساءلوا عمّا إذا كانت الحرب انتهت بشكل مؤكد وماذا يفعلوا في حال تجدد القصف وهي ووالدهم خارج البيت؟
طلبت منهما الاستحمام والتوجه إلى بيت جدهم.
رغم إعلان التهدئة ليلاً فضّل الطفلان المبيت في “غرفة الأمان” وهي غرفة فارغة يضعان فيها فرشة ويجمعان العابهما المفضّلة.
نفرغ الشناتي
بعد انتهاء الحرب نفرغ الشناتي تقول نور.
مع بدء العدوان في كلّ مرّة تجهّز نور شنطة لكل واحد من أفراد العائلة تحتوي على
ملابس وحذاء خفيف أو “شبشب” وتحرص على وضع قطع خفيفة الوزن حتى يتسنى لهم حملها بسهولة في حال اضطروا للهروب من قصف ما.
الكهرباء ليست خدمة وإنما أمان أيضاً
الحرب تدفع الناس للتفكير بالأشياء من زوايا مختلفة.
تقول نور إن تزامن القصف مع انقطاع الكهرباء يخلق حالة رعب.
“الضو أمان مرات لمّا يكون في قصف”
تتعدى الكهرباء كونها خدمة بل تصبح نوعاً من الأمان حسب نور.
تساعدهم على احتمال الوقت وتضمن شحن الهواتف بشكل مستمر، وتوفير ألعاب تحتاج الكهرباء مما يلهي الأولاد قليلاً عن أصوات الدمار.
وتضمن ألا تفسد الأطعمة في الثلاجة. أطعمة وضعت لضمان توفر الأكل في حال طالت الحرب.
أمّي وهويّتي.
“على صعيد شخصي جدّا فكرت بوالدتي التي كانت شاهدة على كافة الحروب السابقة وارتاحت من هذه.
والدتي رحلت قبل مدّة قصيرة وعندما انتهت الحرب ذهبت إلى قبرها. وكأني استعيد الحياة مرّة أخرى بزيارتها”.
لم يكن سهلاً على الشاعر والأكاديمي د. ايهاب بسيسو وصف تفاصيل يومه الأول بعد الحرب في غزّة.
أغلقت المعابر بعد وصوله إلى القطاع بأيام ثم بدأ العدوان.
كأن الزمن يدور في مكانه لم تتغير مفردات العدوان بل زادت وحشية يقول في حديث لـ 24FM.
“في الحرب لا وجود للوقت بالمعنى التقليدي، تذوب عقارب الساعة في الأخبار والعادي يصبح مقلقاً وصعباً، مثل الخروج من المنزل أو التنقل بين غرف المنزل ذاته حتى”.
في الحرب لا فرق بين الليل والنهار، نفقد قدرتنا على النوم ونبقى في حالة يقظة وعلى أهبة الاستعداد، نفكّر بالنجاة، وتبهت الكثير من المعاني بمفهومها المادّي
مثل: شو ممكن ناخد؟ تفقد الأشياء قيمتها.
المهم بطاقة الهوية؛ حتى يتم التعرف علينا لو أصابنا مكروه.
يقول بسيسو.
عشر سنوات تفصل بين الحرب الأخيرة التي عاشها في القطاع وبين هذه الحرب.
ما أن سمعنا الضربة الأولى.. عرفنا، لقد بدأت. لم تكن ضربة مفاجئة بل ضربة مؤلمة يقول.
وعندما تنتهي يحلّ التعب! نستفيق من كابوس وندخل في الحياة.
نشعر أننا بحاجة للكثير من النوم.
قبل أن تبدأ دوامة من الأسئلة تدور في رؤوسنا، أتابع الأخبار بشكل عكسي يقول بسيسو، “واتساءل هل حدث هذا فعلاً؟ حالة من الارتباك والتساؤلات حول احتمالية عودة الحياة في ظل كل هذه الخسارات.
“نستعيد أنفسنا.. لكن ببطئ”.
يذكر أن أسفر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي استمر ثلاثة أيام، أسفر عن استشهاد 46 مواطنًا، بينهم 16 طفلًا و4 نساء وإصابة 360 بجراح مختلفة، بالإضافة إلى تدمير عشرات المنازل.
وخلّف أضرارًا لحقت بـما يقارب بـ1500 وحدة سكنية منها 16 وحدة دمرت كليًا، و71 وحدة باتت غير صالحة للسكن، و1400 وحدة تضررت جزئيًا ما بين بليغ ومتوسط”.
وتوصلت مصر لتفاهمات بين حركة الجهاد الإسلامي و”إسرائيل” دعت بموجبه إلى وقف إطلاق النار بشكل شامل ومتبادل اعتبارًا من الساعة 23:30 اليوم 7 آب الجاري بتوقيت فلسطين.
وشمل الاتفاق، أن تبذل مصر جهودها للإفراج عن الأسير خليل العواودة ونقله للعلاج والعمل على الإفراج عن الأسير بسام السعدي في أقرب وقت ممكن.