اخبار 24

الرسالة ونقيضها!

24FM– هلا الزهيري

في حين تقول صحيفة الحياة الجديدة تحت بند “رسالتنا” على موقعها الإلكتروني إنها “كجزء من المشهد الإعلامي الفلسطيني تساهم في بناء إعلام قوامه المهنية؛ من خلال إنتاج المعرفة وتعزيز ثقافة الرأي والرأي الآخر.” تسلّم إدارة الصحيفة رسّام الكاريكاتير فيها الفنان محمد سباعنة قراراً بفصله من العمل على خلفية عمل نشره على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

كاريكاتير الفصل

فجر التاسع عشر من كانون الثاني الجاري استشهد الأستاذ جواد بواقنة (58 عاماً) برصاص الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين أثناء محاولته تقديم الاسعاف برفقة ابنته للشهيد أدهم محمد باسم جبارين (26 عاماً) الذي أصيب أمام منزله في منطقة “الساحة” وسط المخيم.

في هذا اليوم نشر رسام الكاريكاتير محمد سباعنة عبر صفحته على فيس بوك ما اعتبره رد فعل طبيعي على بشاعة الجريمة.

مرفق صورة للكاريكاتير

بعد أيام من نشر العمل تسلّم سباعنة قراراً مكتوباً بفصله “لأسباب تخصّ الصحيفة” وعندما حاول الاستفسار من رئيس التحرير قال إنهم بحاجة لضخ دماء شابة في المكان.

“لا يمكن للفنان أن يكون على قياس رئيس التحرير أو سياسة الصحيفة أنا رسام كاريكاتير ولا أقبل أن أكون غير ذلك وهذا ما أقدمه لبلدي” يقول سباعنة في حديث لـ 24FM.

بدأ سباعنة العمل في الحياة الجديدة عام 2002 وكان قد تخرّج حديثاً من الجامعة وعمل فيها لمدة 7 سنوات دون مقابل ثم مكافئآت مالية ثم عين كرسام رئيسي للصحيفة.

وعن قرار الفصل يقول إن الإدارة استندت إلى بند في عقده ينص على حق الصحيفة بإنهاءه من طرف واحد. مشيراً إلى أنه يعمل مع الصحيفة بعقد مباشر وليس عن طريق ديوان شؤون الموظفين ولم يسع للحصول على تثبيت كونه يعمل محاضراً في الجامعة العربية الأمريكية.

وأضاف سباعنة أن قرار الفصل لم يتضمن الحديث عن أتعاب أو مستحقات مشيراً إلى نيته رفع قضية فصل تعسفي على الصحيفة، مع تأكيده على استعداده للحديث والحوار مع أي طرف كان.

“اذا كان سقف الحريات واطي وهناك عدم قدرة على  استيعاب مهمة رسام الكاركاتيرلا مشكلة بتوضيحها لأي كان”.

“الثمن الذي دفعته هو ثمن رخيص أنا فقدت وظيفتي وغيري فقد حياته”.

يذكر أن دار الحياة الجديدة للطباعة والنشر، مؤسسة صحفية فلسطينية تصدر صحيفة يومية شاملة، تأسست عام 1995، وهي الصحيفة الرسمية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وهي جزء من الإعلام الرسمي.

حادثة فصل سباعنة أعادت إلى الأذهان القرار الذي صدر بحق الوزير السابق د. ايهاب بسيسو الذي أقيل من منصبه كرئيس للمكتبة الوطنية عام 2021 بقرار من الرئيس محمود عباس على خلفية منشور له على موقع فيسبوك تعليقاً على مقتل الناشط السياسي والمعارض نزار بنات أثناء اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية.

مرفق رابط للمنشور.

وفي تعليقه على قرار فصل سباعنة قال د. بسيسو في حديث لـ 24FM قال إن القرار مؤسف ومحزن ويعكس حالة حصار لمفهوم الكلمة والحرية.

وأضاف “سباعنة ليس فنان مبدع وحسب وإنما أكاديمي يحمل شهادة ماجستير من بريطانيا ويمتلك حضوراً مهماً في مجاله ليس فلسطينياً وحسب وإنما عربياً ودولياً كذلك ونجح كشاب فلسطيني في ترسيخ وجوده كفنان وطني يلتزم بقضايا شعبه مازجاً بين اللون والرؤيا في سياق لوحات تنوعت بين الكاريكاتير والكومكس “رسوم ساخرة” وفي رصيده كتابان صدرا في الولايات المتحدة وأوروبا وبالتالي فإنه كفنان لا يستطيع التعامل مع مفهوم الحرية بصورة مجتزأة”.

واعتبر بسيسو أن المشاهد التي تمر على الساحة الفلسطينية منذ مطلع العام 2023 من اقتحامات واغتيالات ومجازر ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي تستفز كل فلسطيني وليس كل فنان أو كاتب أو مؤرخ وحسب.

ورآى بسيسو أن قرارات الفصل هذه بحاجة إلى مراجعة ويجب أن تقود نحو توحيد الكلمة المبدعة وتشكيل موقف جاد من الاتحادات والنقابات واللجان الشعبية كي لا يتم الاستفراد بالمبدعين والمبدعات على الساحة الفلسطينية.

مضيفاً “وهنا أود الإشارة إلى أن  فنان الكاريكاتير هو الذي يتلقط نبض الشارع، هل علينا أن نلتزم بالموقف السياسي أم يكون هذا السقف هو سقف مساند للرؤيا الوطينة الشاملة ولعله يوضح الكثير من المسارات التي لا بد للسياسي أن يطلع عليها لا أن يقوم بمحاصرتها”.

منظومة تتهاوى وتهزم ذاتيّاً

بدورها اعتبرت الإعلامية والمحللة السياسية نور عودة أن اتخاذ هذا الشكل من القرارات ينم عن حالة انفصام وانفصال تام تعيشها المنظومة الحاكمة بكل أفرعها الاعلامية والسياسية والأمنية

وأضافت في حديث لـ 24FM أن “هذه منظومة هشة ليس لديها أي ثقة بنفسها وهي منظومة تتهاوى لكنها تعيش حالة من الإنكار
وتنكر أنها تهزم ذاتياً وبناء عليه تتصرف بطريقة تعزز حالة الانفصام هذه”.

واعتبرت عودة أن المشهد الفلسطيني مقبل على واقع صعب “الأيام القادمة تحمل لنا أخطار عديدة أهمها وأولها الخطر الوجودي الذي يواجهنا بفعل الاحتلال  الإسرائيلي وهو خطر يتعزز بسبب الحال الداخلي الفلسطيني الذي لن يشهد تحسناً إلا في حال تجاوزنا حالة الإنكار ومن يعيشها حتى نستطيع أن نسير إلى  الأمام.

من باب أولى عدم تمديد عقود من تجاوزت أعمارهم الـ 60 عاماً وما زالوا في مناصبهم

المدير التنفيذي للهيئة الأهلية لاستقلال القضاء ماجد العاروري اعتبر في حديث لـ 24FM  أن الأسباب التي ساقتها إدارة الصحيفة لتبرير إنهاء خدمات سباعة غير مقنعة

مضيفاً “بغض النظر إن كانت  المؤسسة تملك مسوغاً قانونياً لفصله أم لا، الأمر يبقى جزء من العقاب الذي تفرضه مؤسسة عامة تعمل بالمال العام وعاقبت شخص على حقه في الإبداع الفني من خلال رسم كاركاتيري ينتقد آداء السلطة”.

وأكد عاروري أن القرار يشكل انتهاكاً للحق الشخصي بالعمل وانتهاكاً لحرية الرأي والتعبير ما يعني “أننا نعيش في ظل نظام غير ديموقراطي يستخدم موارده التي يتحصل عليها من العامة لعقاب المواطنين”.

ورآى عاروري أن سباعنة فنان مبدع وظاهرة تستحق التقدير لا الفصل كما أن الوضع الطبيعي لفن الكاريكاتير أن تكون نزعته انتقادية لنظام الحكم.

“مؤسف جداً التعامل مع الطاقات الشابة على هذا النحو وتقديم مبررات تستهتر بوعي الناس وكان من باب أولى التوقف عدم تمديد عقود من تجاوزت أعمارهم الـ 60 عاماً وما زالوا في مناصبهم.

ما حصل مع سباعنة يستوجب وقفة جادة من المؤسسات الحقوقية والثقافية وأن تقول لا في وجه هذا القرار”.

اقرأ ايضاَ

زر الذهاب إلى الأعلى