اخبار محليةمقالات

البؤرة الأبدية-الأكمة الأبدية

كتب وليد حبّاس
البؤر الاستيطانية تعرض نفسها على أنها مجرد كرافانات تعيش بها عائلات مستوطنين. البؤرة المسماة “الأكمة الأبدية” (جيفعوت عولام) تطرد هذه الفكرة الوهمية، وتضع مكانها الصورة الحقيقية: البؤرة الاستيطانية هي رأس حربة المشروع الاستيطاني، وهي محاولة لتحويل المنظر العربي لجبال الضفة الغربية الى خليط ميؤوس منه يجمع ما بين الرواية التوراتية وما بين أسلوب الحياة الاشكينازي الغربي المنمق: النتيجة هي استيطان بروحية “الكاوبوي” الذي ينظر الى الحيز الجغرافي الفلسطيني كتلال غير محروثة، بور، عذراء، يمكن إعادة صياغتها.

بؤرة “الأكمة الأبدية” تعتبر الأب الروحي لكل البؤر الاستيطانية، وتم اقامتها في العام 1996 من قبل المستوطن اليميني المتطرف أفراي ران. البؤرة مقامة على أراضي قرية “يانان” الفلسطينية (عدد سكانها اليوم حوالي 150 فقط)، بعد مصادرة حوالي 80٪ من أراضيها (انظر جمال اراضيها في الصورة قرم 1). بداية، اقام أفراي ران بؤرة استيطانية بالقرب من مستوطنة ايتمار (الأكثر تطرفا)، ثم انتقل الى تلة مجاورة، وزحف الى الثالثة، ثم استوى على الرابعة، قبل أن يخلق المكان من جديد على التلة الخامسة… وهكذا الى أن وصل الى التلة السابعة حيث اقام فيها “الأكمة الأبدية” والتي يسكن فيها حتى اليوم.
المثير، أن البؤرة مسكونة فقط من قبل عائلة ران (أولاده وازواجهم)، لكنها تعتبر من “أجمل” البؤر المنثورة في جبال الضفة الغربية. في العام 1999، عندما كان ايهود باراك وزير الجيش، تم توقيع اتفاق ما بين الجيش الإسرائيلي وممثلي البؤر الاستيطانية، بموجبه تم الاتفاق على بقاء “الأكمة الأبدية” الى الأبد. بعد عام ذهب باراك (وقد أصبح رئيس وزراء) الى كامب ديفيد للتفاوض بدون “شروط مسبقة”.

“الأكمة الأبدية”، هي مزرعة خلابة، تسيطر على مساحات شاسعة. المبنى الرئيسي في المزرعة هو “المثمن” (انظر الصورة 2) – مبنى خشبي على طراز الكوابوي الريفي ويستخدم كمطبخ وغرفة طعام. تحتوي المزرعة على 7 أقفاص دجاج لإنتاج البيض العضوي. بالإضافة، في البؤرة هناك مزارع عضوية تشمل حظيرة أغنام (انظر الصورة 3)، وتنتج ألبان وجبن وزبادي (انظر الصورة 4 لبعض المنتجات). في المزرعة ايضا مطحنة دقيق ومخبزًا يعتمد على الحبوب العضوية. في وسط المزرعة، أقام الفنان عساف قدرون، صهر أفراي ران السابق، نصبًا تذكاريًا ليوشع بن نون، وفي وسط النصب هناك أرضية من الفسيفساء عليها نقش: “يوشع بن نون قوي وشجاع” (انظر الصورة 5). يتكون العمل من سبع دوائر ومن حولها مزروعة ستين شجرة زيتون ترمز إلى خصائص مختلفة مأخودة من رواية “فتح” (غزو) أريحا بواسطة يشوع بن نون في العصر القديم. إلى الجنوب من المبنى المركزي يوجد كهف من ثلاث غرف (انظر الصورة 6). تحتوي إحدى الغرف على سقف زجاجي يسمح لأشعة الشمس بالتغلغل في الداخل. الى شرق المزرعة يوجد مرصد (مطل) يسمى “مرصد البحار الثلاثة” بحيث يمكن رؤية البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت وبحيرة طبريا (انظر الصورة 7). وقد تم العثور في التلة المقامة عليها البؤرة على بقايا قبو لتصنيع النبيذ وبجواره قبو كان يستخدم على ما يبدو لتخزين النبيذ. اليوم، يستخدم القبو لتذوق النبيذ ومناسبات البيع من مزارع الكروم في المنطقة التي تحولت، بفضل سحرها الخلاب، وغياب صورة العربي “المتوحش” عن مشهدها التوراتي الجديد، الى مزار سياحي يصله كل صهيوني يريد ان يغادر الحياة العصرية الحديثة، ذات التشنجات المرهقة، ويدخل من باب “أليس في بلاد العجائب” ليصل الى ربوع القمح واصوات العصافير والطبيعة الجذابة.

من المهم ان نشير، الى ان أفراي ران، هو يميني متطرف جدا، ومتهم بالعديد من قضايا الاختلاس، والسرقة والتحايل واستخدام العنف. بعض هذه القضايا مقدمة (وهنا تكمن السخرية) من قبل المستوطنين أنفسهم الذي اتهموه اكثر من مرة بسرقة أراضيهم التي سرقوها من الفلسطينيين. لكن الأهم من ذلك، ان ران يعتبر الأب الروحي لشبيبة التلال. في “الأكمة الأبدية” يجتمع شبيبة التلال (أو الأصح ان نقول: شبيبة الأكمة)، يتسامرون، ينظرون الى الأفق فيرون بحيرة طبريا موصولة، على مشاهدهم، بتلال نابلس، ومتعانقة مع البحر الميت. في سفر التثنية (الاصحاح 33) جاء ما يلي: “وَلِيُوسُفَ قَالَ: مُبَارَكَةٌ مِنَ الرَّبِّ أَرْضُهُ، بِنَفَائِسِ السَّمَاءِ بِالنَّدَى، وَبِاللُّجَّةِ الرَّابِضَةِ تَحْتُ. وَنَفَائِسِ مُغَلاَّتِ الشَّمْسِ، وَنَفَائِسِ مُنْبَتَاتِ الأَقْمَارِ. وَمِنْ مَفَاخِرِ الْجِبَالِ الْقَدِيمَةِ، وَمِنْ نَفَائِسِ الأكمة الأَبَدِيَّةِ”.

اقرأ ايضاَ

زر الذهاب إلى الأعلى