اخبار 24

مقاعد فارغة

خاص 24FM

لم يغير أحد بعد تعريف مفهوم الطفولة، التي عرفتها اتفاقية حقوق الطفل في المادة رقم (6) وهو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره؛ ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك، بموجب القانون المنطبق عليه.

والمراهقة هي مرحلة الانتقال من الطفولة إلى الشباب وهي فترة معقدة من التحول وتمتد على مراحل اولها مراهقة مبكرة في سن 11 وآخرها في بداية 20. وبين هذين التعريفين تفاصيل تصقل وتبني شخصية الطفل، في حال احتضنته بيئة مناسبة وطبيعية.

لكنّ أطفالاً تسعة من قرية عقربا جنوب شرق نابلس ذهبوا ضحية تعريف جديد فرضته ظروف اقتصادية صعبة، وجعلتهم عمالاً في مستوطنات إسرائيلية غير شرعية بموجب القانون الدولي وفقدوا حياتهم في طريق العودة من العمل في مستوطنة تومر  المقامة شمال وادي الأردن إثر حادث سير مفجع!

ومع أن القانون الفلسطيني يحظر، تشغيل الأطفال دون سن الخامسة عشرة؛ ويسمح بعمل الأطفال 15-17 سنة بشروط معينة منها: أن لا تكون هذه الأعمال خطرة، وأن تكون ساعات العمل قصيرة، وتوفير الكشف الطبي للأطفال كل 6 أشهر.

ويعاقب بغرامة لا تقل عن ألف دينار أردني، ولا تزيد عن ألفي دينار أردني، كل من يخالف أحكام هذه المادة ويجرّم العمل في المستوطنات الإسرائيلية لكنّ الجهات الرسمية لا توفر بديلاً لأولائك المجبرين على العمل في المستوطنات وبراتب أكبر مما يتقاضاه العمال في الضفة الغربية.

وتساهم الأوضاع الاقتصادية المتردية في تفشي ظاهرة التسرب من المدارس وعمالة الأطفال وحسب بيانات الجهازا لمركزي  للإحصاء الفلسطيني؛ بلغ عدد طلبة المدارس للعام الدراسي 2019/2020 في فلسطين حوالي 1.309 مليون طالباً وطالبة. وبلغ معدل التسرب 2019 حوالي 0.9% بين الذكور مقابل 0.6% بين الإناث.

ووفقًا لممثل منظمة العمل الدولية في الأراضي الفلسطينية منير قليبو، فقد هجر حوالي 120 ألف تلميذ مدارسهم خلال جائحة كوفيد 19.

مستوطنات الأغوار: الفرصة المرة 

وفقًا لممثل منظمة العمل الدولية في الأراضي الفلسطينية فإن سوق العمل الإسرائيلي على مساوئه يعتبر جاذباً ومغرياً كونه يوفر مردوداً مالياً أعلى من السوق الفلسطينية، الأمر الذي يجعل العاملين يتغاضون عن كم الانتهاكات التي يتعرضون لها. ففي بعض المستوطنات يتم توظيف أطفال تتراوح أعمارهم بين تسعة وستة عشر عامًا، مقابل أجر ضئيل مقارنة بالحد الأدنى للأجور في “إسرائيل”.

يذكر أن منطقة الأغوار تضم ما يقرب من 32 مستوطنة، من بينها 22 مستوطنة زراعية يختلف عدد العاملين فيها بحسب الموسم. وبحسب إحصائيات مركز معا حول عمالة الأطفال الفلسطينيين في مستوطنات الأغوار الزراعية، فإن عدد الفلسطينيين العاملين في هذه المستوطنات يصل إلى 20 ألفاً، 5.5% منهم من الأطفال (13- 16) عاماً ويعملون من 7 إلى 8 ساعات يومياً في مخالفة لقانون الإسرائيلي الذي يجرم عمالة الأطفال، بأجر يصل إلى  60 – 100 شيكل في اليوم، أي ما يقرب من ثلث الحد الأدنى للعامل الإسرائيلي.

“السماسرة” تجّار الأرواح.

هذا وكشف تقرير جديد صادر عن الاتحاد الدولي للنقابات العمالية، عن استغلال فاضح للعمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل إسرائيل وفي المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية.

وجاء في التقرير الذي حمل عنوان: “حقوق العمال في الأزمات – العمال الفلسطينيون في إسرائيل والمستوطنات”، أنه حان الوقت لوضع حد لاستغلال العمال الفلسطينيين

ويكشف التقرير عن حقيقة الأسباب الجذرية لمعاناة العمال الفلسطينيين المتمثلة في: انخفاض الأجور، وسوء الصحة والسلامة المهنية، والإذلال عند المعابر الحدودية لدخول إسرائيل، والفجوات في الحماية الاجتماعية، ونظام سماسرة العمل القمعي الذي لا يزال العديد من العمال مجبرين على استخدامه.

وبالتالي فإن جريمة السماسرة والمستوطنات الإسرائيلية مضاعفة، فهناك تشغيل أطفال بالعمل في مستوطنات وهم دون السن القانونية، وثانيا العمل في مناطق يعتبر العمل فيها محرما وغير قانوني، وهو أمر يترافق مع عمل لساعات طويلة وباجور زهيدة.

تمييز، أجور منخفضة، واستغلال

معظم مناطق الأغوار الفلسطينية مصنّفة أراضي “ج” حسب اتفاقية أوسلو، أي أنها تخضع للسيطرة الإسرائيلية، وفي العام  2014 قدر البنك الدولي تكلفة احتلال المنطقة ج، والقيود على الحركة والتجارة، بخسائر تعادل نحو 4.3 مليار دولارأمريكي، وسترتفع نسبة العمالة الفلسطينية 35% في حال انهاء احتلال هذه المناطق. في حين تقدر أعداد العاملين في المستوطنات الإسرائيلية  والمناطق الصناعية المرتبطة بها في الضفة الغربية ب 23000 عامل.

وكشف تقرير صدر عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال في الربع الثاني من العام الماضي عن استغلال فاضح للعمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل إسرائيل وفي المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية. وأكد التقرير أن ارتفاع معدلات البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يترك للفلسطينيين سوى القليل من البدائل لشغل وظائف في إسرائيل والمستوطنات حيث يحاول أكثر من 130.000 شخص كسب لقمة عيشه بهذه الطريقة. وطالب التقرير بوقف التمييز ضد العمال الفلسطينيين، وبمنحهم حقوقهم الأساسية، وبضمان وسائل السلامة العامة، بالإضافة إلى الرقابة الكافية التي من شأنها صون حقوق العمال.

وأكد التقرير أن ظروف عمل النساء والأطفال على حد سواء في المستوطنات لا يتضمن أي مستلزمات وقائية، ففي مزارع المستوطنات يتم رش المبيدات السامة على المزروعات أثناء عمل الأطفال والنساء في الحصاد أو في تقليم الأشجار بدون ارتدائهم لملابس واقية مناسبة، وهو ما يظهر حجم إهمال أصحاتب العمل الإسرائيليين بهدف خفض تكاليف الإنتاج، ما يضع حياة العمال بخطر فوري ومستمر، كما أنه ومع بداية جائحة كورنا ترك هؤلاء العمال عرضة للإصابة بالفايروس بشكل مباشر.

وأدى انهيار الاقتصاد الزراعي في الأغوار إلى بطالة جماعية أجبرت السكان إلى الانتقال إلى المناطق المدنية القريبة في المناطق أ و ب، وأدى ذلك إلى توجه العديد من السكّان للعمل كعمالة رخيصة للمستوطنين الإسرائيليين غالبًا في أراضي مصادرة كانت مملوكة لهم في السابق من قبل عائلاتهم.

مئات الأطفال وحوالي 5000 امرأة ( لا يوجد أي رقم يمكن الإعتماد عليه) يعملون في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، 45٪ منهم في الزراعة و معظمهم لا يحملون تصاريح عمل أو عقود عمل أو حتى إتصال مباشر مع صاحب العمل، مما يجعلهم عرضة لظروف عمل سيئة و الابتزاز المالي و التعرض للإساءة الجسدية و اللفظية حسب التقرير.

الدور الرسمي الفلسطيني

المتحدث باسم وزارة العمل الفلسطينية أكد رامي مهداوي، أن الوزارة قامت بمجموعة إجراءات لملاحقة السماسرة، وحوّلت 55 سمساراً منهم للقضاء في العاملين 2020-2021، واستعانت الوزارة بعدد من المحافظين والشرطة للعمل في الميدان، كون العمل في المستوطنات موسمي، وتم التركيز على منطقة الأغوار.

وأشار مهداوي إلى أن وزارة العمل تعاملت مع قضايا 352 حدث وأكثر من 50 طفل بالضغة الغربية خلال العام 2021، بالإضافة إلى عملية مراقبة كل ست أشهر لظروف عمل الأحداث في مختلف المنشآت، وفيما تعتبر الوزارة أن العمل في المستوطنات غير قانوني، فإن جل الإنتهاكات بحق الأطفال العمال تجري هناك.

إن تنكيس الأعلام وإعلان الحداد الوطني، وتجريم عمل الأطفال في المستوطنات، لن يحميهم من تجاوزات كثيرة، في ظل غياب أي خطة وطنية استراتيجية تكفل صون حقوقهم وتجريم استغلالهم وتطبيق القوانين النقرّة أصلاً للحد من ظاهرة عمالة الاطفال.

ماذا بعد

الحادث المأوساوي الذي أدى إلى فقدان الأطفال التسعة أعاد ملف عمالة الأطفال في المستوطنات إلى الواجهة مجدداً وكشف حجم القصور في التعامل مع هذه القضية حتى أننا لا نمتلك أرقاماً تقريبية لعدد الأطفال العاملين في المستوطنات ولطبيعة ظروف عملهم، وإلى حين إقرار استراتيجية أكثر حزماً ووضوحاً في ضبط ظاهرة عمالة الأطفال في المستوطنات وتطبيق ما ينص عليه القانون الأساسي بحق السماسرة، ستبقى الأوضاع الاقتصادية المتردية طريقاً موارباً يستغله السماسرة ويدفع ثمنه الأطفال.

اقرأ ايضاَ

زر الذهاب إلى الأعلى