لماذا ستقبل حماس المقترح الأمريكي؟

بقلم ايهاب الجريري: من الغني القول أن المقترح الأمريكي لإنهاء الحرب في قطاع غزة منحاز تماماً لدولة الإحتلال، ولم يكن هناك أي مقترح أمريكي منذ إعلان اتفاقية أوسلو وحتى الآن لم يكن منحازاً بشكل كبير لدولة الإحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية، لكن في غمرة كل ذلك، لا بد من ملاحظة أعتقد أنها مهمة وواضحة في المقترح الأمريكي، وهي أن هذا المقترح أعطى نتنياهو كافة الشروط التي تحدث عنها لإنهاء الحرب، كما أعطى حماس غالبية شروطها التي تحدثت عنها مراراً لإطلاق سراح كافة الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. صحيح أن هذا المقترح لم يعط نتنياهو طمعه في تحقيق تلك الشروط بالصورة التي كان يرغبها، لكنه في النهاية يحققها، وهذا ما بات نتنياهو يستند عليه في ترويجه للمقترح الأمريكي أمام عاصفة إئتلافه الحكومي اليميني المتطرف الغاضب من موافقته عليه، ومن أجل ذلك وافق نتنياهو على هذا المقترح، كما أنني أعتقد أن حماس ستوافق على هذا المقترح رغم كل ما يتضمنه من إجحاف وضبابية في العديد من نقاطه.
قالت حماس مراراً أن إطلاق سراح كافة الأسرى الإسرائيليين مرتبط بإنهاء تام وكامل للحرب، وهذا ما يتضمنه المقترح الأمريكي منذ اليوم الأول، كما قالت حماس مراراً أن أي هدنة أو أي وقف للحرب يفترض أن يتضمن إطلاق سراح عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين خاصة من أصحاب الأحكام العالية، وهذا سيتحقق بشكل أو بآخر، تبقى هذه النقطة الأكثر حساسية باعتقادي فيما إذا كانت حماس ستختار أسماء الأسرى من ذوي الأحكان العالية الذين سيفرج عنهم أم لا، كما أن حماس اشترطت أن تدخل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من خلال مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختلفة، وهذا ما يفترض أن يتحقق كذلك، كما أن حماس قالت أن نهاية الحرب تعني وجود خطة واضحة المعالم لإعادة إعمار قطاع غزة وهذا يحتل جزءاً لا بأس به من المقترح الأمريكي.
صحيح أن شروط حماس لإطلاق سراح الأسرى الإٍسرائيليين لن تطبق بالتصور الذي سعت إليه ربما حماس، لكنه سيتحقق بنسبة كبيرة منه، كما أن حماس تدرك جيداً أن إعادة إعمار قطاع غزة لا يمكن أن يتم تحت حكمها وسيطرتها على القطاع، وإلا لكانت كأنها تعيش أحلام اليقظة، لذلك من المنطقي أن توافق حماس على المقترح الأمريكي، خاصة أن حليفان رئيسيان لحماس يضغطان بهذا الإتجاه، وهما قطر وتركيا، بالإضافة إلى لاعب مهم واستراتيجي بملف قطاع غزة وهو مصر، ولا أعتقد أن حماس ستراهن على خسارة علاقتها بهذه الدول، التي ربما ستساهم مستقبلاً بعودة حماس للمشهد السياسي بشكل أو بآخر.
هناك توجهان في النظر إلى المقترح الأمريكي باعتباره وثيقة استسلام، توجه أيدلوجي يريد أن تنتج الحرب على قطاع غزة مكاسب سياسية ومعنوية أبعد من وضع القطاع، وهناك توجه مرتبط بالشماتة السياسية الساذجة من حماس، لأن هذا التوجه الأخير يسعى إلى إظهار حماس مكسورة، قد يقول البعض، وماذا مع شرط تدمير سلاح حماس الهجومي والبنية التحتية والأنفاق؟ ولا بد هنا من أن نكون موضوعيين إلى أبعد حد، لأن الجزء الأكبر من سلاح حماس الهجومي قد دمر فعلاً على مدار أشهر الحرب ال 24، أما خروج قيادات حماس من خلال ممر آمن، فهو ليس أمراً جديداً في الحقيقة، وإلا لما كانت غالبية قيادة حماس خارج قطاع غزة والضفة.
من جديد لن نختلف أن المقترح الأمريكي بمحصلته منحاز لنتنياهو ودولة الإحتلال، لكنه يؤمن وقف الحرب وإنهاء الإبادة الجماعية والتجويع في قطاع غزة، وهذا ما لم يستطع العرب ولا الفلسطينيون ولا الأوروبيون ولا الدول الإسلامية الضغط باتجاهه على مدار أشهر الحرب، وهو كذلك يسحب من تحت نتنياهو بساط البحث عن نصر حاسم كما يسميه، فحماس ليست خلايا مسلحة فقط، إن قضيت عليها قضيت على الحركة، فهي أيدناها أم عارضناها تبقى جزء أساسي من مكونات شعبنا.
أخيراً، علينا أن نعي أن الوضع السياسي الفلسطيني بشكل عام ساهم في وصول الأمور إلى ما نحن فيه، فالنظام السياسي برمته في مرمى النقد لغياب الشفافية والإنتخابات والإصلاحات الإدراية والمالية، وهو ما يشكل مدخل الولايات المتحدة ودولة الإحتلال في رفض وجود السلطة في قطاع غزة بشكل مباشر بعد انتهاء الحرب. لقد أفشل الغزيوون محاولات الترانسفير والتهجير القسري، لكن على أحد ألا يراهن على صمودهم أكثر، لا حماس، ولا السلطة، ولا كل الذين يعتقدون أننا نمتلك كثيراً من الوقت للبحث عن سيناريوهات أفضل من تلك الموجودة، فلم يعد الناس في قطاع غزة قادرين على مزيد من الصمود، ويجب ألا يطلب منهم ذلك، ولأجل كل ذلك، أعتقد أن حماس ستوافق على المقترح الأمريكي بعلاته وبانحيازه، على أمل أن تضغط الدول العربية ولو قليلاً لتحسين شروط هذا المقترح عندما يتم وضع تفاصيله التنفيذية.