اخبار 24

إصرار إسرائيل على “ممر إنساني” مع دروز السويداء.. بين مزاج ترامب و”مصير الشرع”

هآرتس- بقلم تسفي برئيل – مطالبة إسرائيل بأن تؤسس لنفسها هامش سيطرة ونفوذ في سوريا من خلال “ممر إنساني”، يربط بين هضبة الجولان ومدينة السويداء الدرزية، تبدو العقبة الأخيرة أمام توقيع الاتفاق حول ترتيبات أمنية بين الدولتين. حسب “رويترز” فقد طرح هذا الطلب مجدداً، الذي رفضته سوريا من قبل، وهو الذي أجل الإعلان عن اتفاق أمني كان يمكن تحقيقه في الأسبوع الماضي في نيويورك. يبدو أن الحديث يدور عن قضية تقنية تستهدف إيجاد ممر حركة آمن يمكن الدروز في مدينة السويداء من الانتقال منه إلى هضبة الجولان والحصول على المساعدات الطبية والتزود بالطعام مباشرة من إسرائيل كجزء من تعهدها بالمساعدة في الدفاع عن أبناء الطائفة الدرزية، وهكذا أيضاً حل تهديد الحصار الاقتصادي الذي فرض على السويداء عقب المواجهات الدموية وعمليات قتل أبناء الطائفة التي حدثت في تموز.
الحصار تم في هذه الأثناء تم رفعه على الأغلب، لكن القضية ليست تقنية أو إنسانية. الفصل الجغرافي بين السويداء وهضبة الجولان يقتضي أن يكون “الممر” عبر محافظة درعا، التي ليست درزية. حمايته بدون مساعدة القوات السورية ستقتضي وضع قوات إشراف عسكرية أجنبية، دولية أو إسرائيلية. هكذا، حسب ادعاء النظام السوري، هذا سيرسخ الفصل بين الدولة والمحافظة الدرزية بشكل كامل. النظام يقول بأنه لا سبب لإنشاء ممر كهذا؛ لأن الدولة ملزمة بتوفير كل احتياجاتها للمحافظة، وهي تفعل ذلك بالفعل. ولكنها تواجه بالتحديد معارضة من قبل جزء من القيادة الدرزية، بالأساس قيادة الزعيم الروحي حكمت الهجري. إضافة إلى ذلك، هو يرفض التعاون مع النظام، والمليشيات التابعة له تمنع وبحق دخول شاحنات التموين، كي تمنع أي مظهر من مظاهر التعاون.
حسب ادعاء النظام، فإن “الممر” المنفصل أمر لا حاجة إليه، لا سيما بعد الاتفاق الثلاثي الذي وقع في 16 أيلول بين سوريا والأردن والولايات المتحدة. حسب هذا الاتفاق، فإن النظام في سوريا ملزم بتوفير كل احتياجات المحافظة الدرزية، وحماية الشارع الرئيسي بين دمشق والسويداء. إضافة إلى ذلك، سيوافق النظام على تشكيل لجنة دولية للتحقيق في أحداث تموز، وإقامة قوة حماية محلية تشارك فيها قوات درزية إلى جانب قوات النظام، وسيتم تعويض المتضررين في هذه المواجهات وضمان حقوق الدروز.
على هذا الاتفاق وقع وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي توم براك. مصدر سياسي أردني، مطلع على ظروف توقيع الاتفاق، قال للصحيفة بأن الاتفاق استهدف “إزالة الحاجز الأخير أمام الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل. يمكن أيضاً إنهاء قضية الممر الإنساني عن طريق وضع قوة دولية، حتى أمريكية، على طول الممر، لكن يبدو أنها قضية مصطنعة، إسرائيل وجزء من القيادة الدرزية خلقتها لضمان وجود إسرائيل في الفضاء السوري، حتى بعد انسحابها من المناطق التي احتلتها. هذه قضية قد تعرض وجود الترتيبات الأمنية للخطر بين إسرائيل وسوريا، وعلى إسرائيل والولايات المتحدة تقرير سلم الأولويات بالنسبة لهما”.
لكن حتى الاتفاق الثلاثي يعارضه الهجري؛ لأن ممثلي الدروز لم يشاركوا فيه، ولأن التزام النظام بتقديم المسؤولين عن المذبحة للمحاكمة فهذا يعني أن المذنبين سيحاكمون في محكمة سورية، أي محكمة للنظام، التي هي ليست جسماً محايداً و”لا يتوقع أن تكون عادلة مع الضحايا”.
يقف من خلف هذه الادعاءات طموح الهجري إلى إقامة حكم ذاتي للدروز، وربما حتى دولة تستند إلى “حق تقرير المصير” للدروز. الهجري، الذي هو أحد الزعماء الروحيين الثلاثة للطائفة في سوريا، لا يمثل في الحقيقة كل أبناء الطائفة في سوريا، وليست كل المليشيات الدرزية خاضعة له، لكنه يعتبر “رجل الاتصال” مع إسرائيل، والذي نجح في تجنيد مساعدتها المهمة في فترة الأحداث الدموية من خلال التنسيق الوثيق مع زعيم الطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق الطريف. بالنسبة له، فإن أهمية “الممر الإنساني” هي في الواقع رسم خط الحدود بين الحكم الذاتي المستقبلي للدروز وبين دولة سوريا، وهكذا، تحديد طابع الدولة. أي: هل ستكون سوريا دولة موحدة أم دولة كانتونات وأقاليم حكم ذاتي، لا تخضع للحكومة المركزية أم أنها ترتبط بها بشكل ضعيف؟
هذه القضية تضع أحمد الشرع أمام معضلة، لأن الحديث لا يدور فقط عن المس بسيادة النظام والتهديد بفصل المحافظة الدرزية عن الدولة وانتقالها إلى رعاية إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. كل تطور في المحافظة الدرزية له تأثير مباشر على المحافظات الكردية في شمال الدولة. زعيم “القوات الكردية الديمقراطية”، مظلوم عبادي، الذي يحصل على رعاية وتمويل وسلاح أمريكي، كما يعتبر شريكها الفعال ضد “داعش”، وقع في هذه السنة على اتفاق مع الشرع ينص على دمج قواته في الجيش السوري الوطني الجديد. ولكن دروس الأحداث في المحافظة الدرزية، فشل النظام في الدفاع عن أبناء الأقلية الدرزية، وبالأساس مشاركة مليشيات وعصابات تنتمي للنظام في ارتكاب المذبحة، جعلت الأكراد يجمدون المفاوضات مع النظام رغم الضغط الأمريكي على قيادة الأكراد. قضية الأكراد أكثر تعقيداً؛ لأن لديهم قوة عسكرية أهم من قوة الدروز، ومنذ الحرب الأهلية نجحوا في إقامة لأنفسهم محافظات حكم ذاتي تدار مالياً وعسكرياً بشكل مستقل. الآن عليهم اتخاذ قرار هل سيتنازلون عن هذه المكانة، وماذا سيكون المقابل الذي سيطلبونه.
في الوقت الذي ما زالت فيه المحافظات الكردية غير خاضعة للنظام المركزي في دمشق، والمحافظة الدرزية ترفع علم الاستقلال برعاية إسرائيل، فقد بقي أمام الرئيس السوري الآن التمسك بأهداب الرئيس الأمريكي ومحاولة إقناعه بأن “الممر الإنساني” بالصيغة الإسرائيلية قد يحطم ما ظهر كإنجاز سياسي وحيد لترامب: اتفاق أمني بين إسرائيل وسوريا. سبق للشرع ووافق على إجراء تعديلات عميقة على اتفاق فصل القوات الذي تم التوقيع عليه بين إسرائيل وسوريا في 1974. وحتى تجريد جزء كبير من المنطقة من السلاح، الذي تمتد بين دمشق وهضبة الجولان، وإقامة منطقة “قليلة التصعيد”. المتحدثون باسمه يشرحون أن الأمر لا يتعلق باتفاق جديد بين الدولتين، بل توسيع معين للاتفاقات القائمة، التي ستقوم إسرائيل مقابلها بالانسحاب من معظم المناطق التي احتلتها في سوريا منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول الماضي. ولكن “الممر الإنساني” بين إسرائيل والسويداء، الذي سيظهر كـ “خط حدود” بين سوريا والمحافظة الدرزية، وسيؤثر أيضاً على احتمالية دمج المحافظات الكردية في الدولة، هذه شوكة كبيرة يصعب ابتلاعها.
الشرع يعتمد أيضاً على الموقف الأمريكي العلني، الذي يرى أن سوريا ستكون دولة موحدة تحت حكم مركزي واحد، جيش واحد وقانون واحد. هذا الموقف تدعمه تركيا، التي شجعت الشرع على التوقيع على اتفاق “الدمج” مع الأكراد، وأيضاً دول الخليج، على رأسها السعودية، التي تعهدت المساعدة بمليارات الدولارات في إعادة إعمار سوريا وتمويل نشاطات النظام. حتى الآن، من غير الواضح أين سيميل قلب ترامب، لأن السياسة الواقعية ليست وحدها محل الاختبار، بل هناك أيضاً المكانة والكرامة. الشرع الذي تعهده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي حول زعيم سوريا إلى محبوب ترامب، هو أيضاً حليف وأحد رعايا تركيا وقطر والإمارات، التي هي صديقات مقربة للولايات المتحدة وعائلة الرئيس. في المقابل، الدروز “أخوة السلاح والدم” لإسرائيل، والممر الإنساني رمز لذلك.

اقرأ ايضاَ

زر الذهاب إلى الأعلى