بين أربع حيطان!
24FM– هلا الزهيري
“بين أربع حيطان” مقولة نستخدمها للتعبير عن شعورنا بالوحدة أو الملل والتذمّر، أو كنوع من العتاب إذا تأخر عن زيارتنا عزيز ما.
لكن في فلسطين تفرض هذه الحيطان على الأسرى في زنازين لا تتجاوز مساحتها 1.5*2م!
في سجون الاحتلال الإسرائيلي 38 أسيراً معزولاً أقدمهم أمضى 15 عاماً في العزل! مع الإشارة إلى أن الآثار النفسية للعزلة لا رجعة فيها بعد 15 يوماً فقط حسب الدراسات.
وفي الآونة الأخيرة؛ صعّدت إدارة سجون الاحتلال من سياسة العزل بحق الأسرى وأوضح نادي الأسير لـ 24FM أن إدارة السجون وعقب عملية نفق الحرية وهروب الأسرى الستّة، نفّذت سلسلة إجاءات عقابية بحق الأسرى ورفعت من وتيرة تنفيذ عقوبة العزل بحقهم
نستعرض في هذا التقرير تفاصيل عن ظروف العزل.
تمثّل سياسة العزل واحدة من أحد أقسى أنواع العقاب التي تمارسها إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلية بحق الأسرى؛ حيث يتم احتجاز الأسير لفترات طويلة، بشكل منفرد، في زنزانة معتمة ضيقة ومتسخة عالية الرطوبة ومتعفنة الجدران؛ فيها حمام أرضي قديم، تخرج من فتحته الجرذان والقوارض.
وتهدف سياسة العزل لفترات طويلة إلى إذلال الأسير، وتصفيته جسدياً ونفسياً؛ كما حدث مع القيادي في الجبهة الشعبية الأسير الشهيد إبراهيم الراعي الذي تمت تصفيته بعد عزله لمدة تسعة أشهر متواصلة ولم يسمح له بتبديل ملابسه أو الاستحمام أو الحلاقة خلال فترة وجوده في السجن الانفرادي، حتى تاريخ استشهاده 11/4/1988.
وللعزل ثلاثة أقسام؛ الإنفرادي قصير المدى: يمتد من ثلاثة أيام إلى عدة أسابيع، والجماعي يكون في قسم خاص؛ وهدفه الأساسي هو إبعاد قيادات السجون عن بقية الأسرى كما هو في سجن هداريم قسم (3)، والعزل الانفرادي المفتوح الذي يعتبر الأقسى والأصعب؛ حيث يعزل الأسير في زنزانة منفرداً، أو مع أسير آخر؛ ويمنع من التواصل مع باقي الأسرى لمدة غير محدودة.
40 يوماً في العزل!
في الملف الصوتيّ المرفق يتحدّث الأسير المحرر عصمت منصور لـ 24FM عن ظروف عزله في سجن بئر السبع في زنزانة صغيرة تحتوي على فرشة واحدة وزجاجة ماء فارغة للتبوّل نظراً لعدم وجود حمّام فيها. ولا يسمح له باستخدام الحمام خارج الزنزانة إلا مرة واحدة في اليوم.
15 عاماً من العزلة!
محمد خليل جبران من بلدة المزرعة الغربية- رام الله، يتعرّض للعزل منذ اعتقاله في العام 2006، وهو محكوم بالسجن المؤبد و25 عاماً.
عيسى جبران شقيق الأسير محمد قال في حديث لـ 24FM إن الأخير يتعرّض للعزل منذ اعتقاله، ويخرج منه إلى أقسام لفترات قصيرة جدّاً بسبب كثرة الشكاوى والاحتجاج على ظروف عزله ويسمح لبعض أفراد أسرته من زيارته أحياناً.
محمد رقم 6 في عائلة مكونة 8 أفراد (6 أشقاء وشقيقتان) خسر محمد والديه وهو في السجن وتتعمّد سلطات الاحتلال على نقله أحياناً من مكان لآخر في نفس يوم الزيارة المقررة لأفراد عائلته فلا يتمكنون من رؤيته.
يقول عيسى إن شقيقه يعاني أمراض صحيّة ونفسيّة مزمنة من ضمنها إصابته بمرض السكري “أنا ممنوع من زيارته منذ العام 2019 وعندما يزوره أحد اشقائي يصفون حالته النفسية بالسيئة وغير الطبيعية ويفقد قدرته على معرفة الأشخاص أحياناً”.
“والله محمد أحسن شخصيّة” هكذا أجاب عيسى عندما سألناه عن شقيقه قبل الأسر.
وتشير هيئة شؤون الأسرى والمحررين في تقاريرها بأن محمد يعاني من مشاكل نفسية وعصبية، بسبب عزله على مدى هذه الفترة الطويلة.
العزل كإجراء انتقامي
يتعرّض الأسير للعزل المباشر بعد انتهاء مرحلة التحقيق دون الدخول إلى الأقسام العادية المفتوحة.
ويستخدم العزل في بعض الحالات كعقوبة على مخالفة “انضباطية” داخل السجن، وهنا يعزل الأسير منفرداً في زنزانة لا يسمح له إلا بإدخال ملابسه إليها، ولا تحوي سوى الفرشة والغطاء. فبموجب المادة 56 من قانون مصلحة السجون لعام 1971 هناك 44 مخالفة انضباطية يعاقب عليها المعتقل بالعزل، كأن يخل الأسير بهدوء السجن، ويخول فرض هذه العقوبة لكل من مدير مصلحة السجون او مدير السجن لمدة لا تتجاوز ال14 يوماً، ولكن على أن تقسم الى قسمين 7 +7، أي لا يجوز عزل الأسير مدة 14 يوماً متواصلاً.
كما أن القانون يخول محاكم الاحتلال بإصدار قرار يقضي بحجز الاسير في العزل لمدة 6 أشهر في غرفة لوحده و12 شهراً في غرفة مع أسير أخر، كما أن المحكمة مخولة حسب القانون بتمديد فترة عزل الأسير لفترات إضافية ولمدة لانهائية، ووفق مواد سرية لا يطلع عليها الأسير ولا محاميه مما يحول دون تشكيل دفاع فعال ومؤثر، فتكون محاكم إصدار قرارات العزل شكلية وتخضع لقرار سياسي من الأجهزة الأمنية للاحتلال.
ويعزل الأسير كذلك بشكل فوري عند قراره الشروع بإضراب عن الطعام.
وفي السجون أقسام خاصّة بالعزل مثل عزل سجن نفحة الصحراوي وعزل الرملة “نيتسان” وعزل السبع الذي يضم ثلاثة أقسام: قسم (8) ويطلق عليه اسم “العزل المفتوح”، وقسم (6) ويطلق عليه اسم “قسم العزل”؛ وعزل “السنوك” وهو عبارة عن زنازين على هيئة قبور، مساحتها بحجم فراش النوم فقط مغلقة بالكامل، ودون تهوية أو إنارة، لا يستطيع المعتقل فيها الحراك؛ حيث ينام فيها ورأسه على الحائط وأقدامه على البوابة.
يذكر أن العزل يعتبر ضرباً من ضروب التعذيب النفسي المحظورة بموجب المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب المبرمة في العام 1984 وواحد من أساليب المعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة المحظورة بمقتضى المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والحقوق السياسية. إضافة إلى ذلك، فإن ظروف العزل لا تلائم الحد الأدنى من المقاييس الصحية للسجون ومراكز الاعتقال التي توجبها المادتان (91) و(92) من اتفاقية جنيف الرابعة.
المصادر: مؤسسة الضمير لرعاية الاسير وحقوق الانسان، نادي الأسير، هيئة الأسرى، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية-وفا.