قنبلة لم يسمع صداها في واشنطن
موقف إدارة بايدن من تصنيف إسرائيل ٦ منظمات حقوقية فلسطينية "إرهابية"
24FM – مي أبو عصب– هل سبق وأن تخيلت نفسك تعمل فجأة في مؤسسة “إرهابية”؟! كيف يتحول عملك مثلاً من عمل في مجال حقوق الإنسان، إلى عمل يوصف بالإرهاب؟ هل غوانتمامو هو أول ما يخطر ببالك؟ ربما. أم أنك ستتخيل أسامة بن لادن، أو أحد هادمي الآثار العراقية في تنظيم داعش. هذا ليس فكرة مقتبسة من فيلم خيالي، وليس فانتازيا في أحد البرامج الترفيهية، ولا هو نكتة سمجة لا تضحك ولا يفهم القصد منها، إنه تماماً حقيقة ما مرت به منار العملة مسؤولة المناصرة المحلية والدولية في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.
تفاجأت منار العملة –في آخر يوم لها بجولة مناصرة حقوقية في أوروبا- أنه تم تصنيف مؤسستها إرهابية، منار تحولت فجأة من حقوقية ومدافعة عن حقوق الإنسان إلى موظفة في مؤسسة تصفها إسرائيل “بالإرهابية” هكذا دفعة واحدة وبدون مقدمات.
منار روت لنا ما حدث، بدت كمن لا يزال لا يصدق ما جرى حتى بعد عدة أشهر على حدوثه.
لم تكن منار العملة وحدها من تفاجأ بهذا الإنقلاب الدراماتيكي، لأن دولاً كبرى كالولايات المتحدة كذلك تفاجأت به، فبعد ظهر يوم الجمعة ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ أعلنت إسرائيل على لسان وزير دفاعها بيني غانتس ست منظمات حقوقية فلسطينية رائدة منظمات إرهابية؛ بتهمة أنها واجهات لتنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهو الفصيل الذي تصنفه إسرائيل بالإرهابي. نفى ممثلو المنظمات الستة الاتهامات الإٍسرائيلية واتهموا إسرائيل بمحاولة إسكات منتقدي انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة. “الهدف سياسي وليس أمني أتحدى أيا منهم – وزير الدفاع، والشاباك، أو أي شخص – أن يثبت ذلك.” هذا ما قاله شعوان جبارين مدير عام مؤسسة الحق في أول رد فعل له على الإعلان الإسرائيلي، جبارين حقوقي معروف على المستوى الدولي وليس فقط الإقليمي.
توقيت الإعلان الإسرائيلي… سحب البساط أمام أي ردود فعل مفاجئة
طريقة الإعلان الإٍسرائيلي وتوقيته ملفت للانتباه، فبعد ظهر الجمعة تبدأ الإجازة الأسبوعية في أمريكا وأوروبا وفي غالبية المؤسسات الدولية بل وفي العالم، بالتالي فإن أي رد فعل لن يصدر قبل صبيحة يوم الإثنين، وبذلك تكون إسرائيل قد امتصت بعضاً من المفاجأة. عدا على أنني حاولت أن أبحث عن الإعلان أو الخطاب أو الخبر على أي منصة رسمية إسرائيلية في مواقع التواصل الاجتماعي لم أجد!
وتضم المنظمات الست؛ منظمة الحق الفلسطينية، ومؤسسة “الضمير” التي تمثل الأسرى الفلسطينيين في المحاكم العسكرية الإسرائيلية، والحركة الدولية للدفاع عن الأطفال، وهي مجموعة تدافع عن الأطفال الفلسطينيين، كما تم إعلان اتحاد لجان المرأة الفلسطينية، ومركز بيسان للأبحاث والمناصرة، واتحاد لجان العمل الزراعي منظمات إرهابية.
وصرح شعوان جبارين مدير مؤسسة الحق ل 24FM تعليقاً على ذلك: “قد يكونون قادرين على إغلاقنا، ويمكنهم الاستيلاء على تمويلنا ويمكنهم اعتقالنا، لكنهم لا يستطيعون وقف إيماننا الراسخ الذي لا يتزعزع بأن هذا الاحتلال يجب أن يحاسب على جرائمه.”
صدى “القنبلة” الإسرائيلية بقرارها غير المسبوق سمع في شتى أنحاء العالم
انتقدت منظمات حقوق الإنسان الدولية القرار على الفور، كما نددت به كل من هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية في بيان مشترك واصفين الخطوة الإسرائيلية بأنها “مروعة وغير عادلة”. وكذلك انتقد المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان؛ والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية تكوين الجمعيات القرار، حتى في إسرائيل ما لا يقلّ عن 21 مجموعة حقوقية إسرائيلية أدانت القرار أبرزها منظمة حقوق الإنسان اليسارية الإسرائيلية بتسيلم، واعتبرت أنه ليس مجرد إعلان، متهمة الحكومة الإسرائيلية الجديدة بمحاولة إدامة “نظام فصل عنصري عنيف”. وأعلنت تضامنها مع المنظمات الحقوقية الفلسطينية حيث جاء في بيانها “بتسيلم تقف متضامنة مع زملائنا الفلسطينيين، وتفخر بعملنا المشترك على مر السنين – وهي ثابتة على الاستمرار في ذلك”.
أما على المستوى الرسمي دول الاتحاد الاوروبي أعلنوا غضبهم من القرار كما أدان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان، ووزارة الخارجية الأيرلندية، ووزارة الخارجية الفرنسية.
أمريكيا؛ طالبت 288 منظمة حقوقية أمريكية إدارة الرئيس جو بايدن، بإصدار بيان رافض للقرار، والتأكيد على التزام بلادهم بقواعد القانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان الموقعة عليها عالمياً. والعمل على عدم حظر وتجريم المنظمات الفلسطينية الحقوقية، وتوبيخ إسرائيل علناً على ما وصفوه بـ”العمل الاستبدادي”. كما أدان العديد من أعضاء الكونغرس القرار الإسرائيلي الأخير بتصنيف منظمات حقوقية فلسطينية كـ “إرهابية”.
موقف الإدارة الأمريكية باهت لم تتبعه أية إجراءات… شهادات من طرف واحد… إنهم لا يستمعون لنا!
في أول ردة فعل على القرار الإسرائيلي في واشنطن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس “سنتواصل مع شركائنا الإسرائيليين للحصول على مزيد من المعلومات بشأن أساس التصنيف” مشيرا إلى أن واشنطن لم تتلق إخطاراً مسبقاً بشأن هذا التصنيف، لكن مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً قال إن إسرائيل أطلعت إدارة الرئيس بايدن في واشنطن على القرار قبل إعلانه، على الرغم من أن المسؤول رفض التعليق على سبب إعلان برايس أن واشنطن لم تتلق إخطاراً مسبقاً. وبعد اللقاء واستقبال الإسرائيليون في واشنطن يبدو ان المعلومات لم تحظ بتأييد أمريكي حسب المحللين السياسيين، لكن لا يوجد أي بيان رسمي رافض للقرار.في حين قالت القناة الرسمية الإسرائيلية ” كان” -عبر حسابها على موقع تويتر- “ليست الولايات المتحدة فحسب، بل دول الاتحاد الأوروبي أيضا، غاضبة من قرار اعتبار المنظمات الفلسطينية الست منظمات إرهابية”. مما يدل على ردة فعل غاضبة “داخلية”.
إن سياق رد الفعل الأمريكي يطرح أسئلة عدة، أهمها، لماذا لم تتواصل إدارة بايدن مع أي من المنظمات الفلسطينية لتسألها عن حيثيات القرار؟ ولتستفسر عن حقيقة الإدعاءات الإسرائيلية، فهل أية تهمة إسرائيلية يتم تصديقها مباشرة في واشنطن؟!
لماذا أصلا كان يجب أن تتدخل الولايات المتحدة وماذا كان يمكن أن تفعل؟
في تصريح لسارة واتسون المديرة التنفيذية لمؤسسة DAWN أن الإدارة الأمريكية تستطيع أن تفعل الكثير إلا أنها تعمل العكس قائلة في ذات السياق؛ “لقد شجعت إدارة بايدن الحكومة الإسرائيلية على شن هذا الهجوم القاسي على المجتمع المدني الفلسطيني من خلال تدليلها بالمساعدة العسكرية المتزايدة على الرغم من استبدادها المتزايد”.
الولايات المتحدة تستطيع أن تفعل الكثير، كما فعلت لمجرد تجسس إسرائيل على عدة شخصيات أمريكية وأخرى عامة، حيث أعلنت وزارة التجارة الأميركية عن إدراج شركة (NSO) الإسرائيلية التي طوّرت برنامج “بيغاسوس” للتجسس، ضمن قائمة الشركات المحظورة باعتبارها تمثل تهديدا للأمن القومي، وهو نفس البرنامج الذي استخدم لاختراق الهواتف الذكية لستة ناشطين فلسطينيين في المؤسسات الستة، ومن بينهم فلسطيني أمريكي.
المستقبل المجهول والثمن الغالي
من منا يستطيع أن ينتج ويقدم للمجتمع بمستقبل غامض، وليس أي غموض، فما الذي سيتبع اعتبار المؤسسات الستة مؤسسات “إرهابية” من قبل جيش الإحلال، هل سيعتقلون كافة العاملين في تلك المؤسسات؟ هل سيمنعون من السفر؟ هل ستحجب عنهم الوظائف مستقبلاً؟ ما الذي سيجري للمؤسسات الست؟ هل سيتم وقف تمويلها؟ ما الذي سيحل بالموظفين فيها والمستفيدين من خدماتها؟ أسئلة تكاد لا تنتهي تطرحها منار العملة في هذا التسجيل.