الهجمة الشرسة غير المسبوقة التي تتعرض لها سبعة من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ليست وليدة اللحظة او الصدفة وهي لا تقتصر فقط على هذه المؤسسات التي اصدر وزير جيش الاحتلال قرارا في اكتوبر الماضي يصنفها كمؤسسات “ارهابية” وانما الهجمة تشمل جميع مؤسسات العمل الاهلي الفلسطيني، وتحديدا صاحبة التاريخ الطويل التي تأسست منذ ثمانينات القرن الماضي، ولعبت دورا اساسيا وفاعلا خلال الانتفاضة الاولى العام 1987 قبل قدوم ونشوء السلطة الوطنية، ولها مجهودات نوعية واضحة للعمل في قضايا الزراعة والصحة، والتعليم، والثقافة والفن، والمراة والشباب، الى جانب الجزء الاساس المتعلق بحقوق الانسان، وتوثيق انتهاكات الاحتلال وجرائمه بحق الاسرى بشكل خاص والشعب الفلسطيني بشكل عام وهي قطاعات هامة تخدم جمهور واسع وعريض من المجتمع الفلسطيني في شتى المجالات .
ربما تمثل الاجراءات الاحتلالية الاخيرة في اعادة استهداف المؤسسات بشكل مباشر واقتحامها، ومصادرة محتوياتها واغلاق عدد منها فرصة للتعاطي مع سياسات الاحتلال القديمة الجديدة من منظور مختلف هذه المرة كونها اي عملية الاستهداف مختلفة وايضا قوبلت بحملات استنكار وشجب واسعة على مستوى العالم حتى اوساط مختلفة ودول معروفة بتأييدها للاحتلال عبرت بمجملها عن عدم وجود والافتقاد لاية ادلة من شأنها ادانة عمل المؤسسات المستهدفة، ورفضت هذه المواقف رواية الاحتلال تجاه المؤسسات التي كما هو معروف للجميع تعمل بشكل علني ووفق القانون الفلسطيني تعقد اجتماعاتها الدورية، وتقدم خدماتها للجمهور، ولا يوجد ما يثبت ارتباطها بحسب مزاعم الاحتلال بتنظيمات فلسطينية حتى بحسب نتائج ما توصلت اليه لجان تم تشكيلها بهذا الخصوص من دول اوروبية او شبكات ومؤسسات دولية نشرت ما توصلت اليه من استخلاصات بهذا الصدد مؤخرا .
هذا الرفض الدولي الواسع يمكن تطويره لحالة واسعة النطاق من الفعل المبني على منهجية وخطة واضحة تعكس رؤية شاملة لنقل الملف الى كافة الاوساط الفاعلة ومن خلالها تسليط الضوء على واقع الشعب الفلسطيني والمعاناة جراء استمرار الاحتلال، وتفعل ادوات المناصرة الدولية ليس فقط لان استهداف المؤسسات مثل صفعة غاية في الاهمية للاحتلال على اهمية ذلك، وانما كون هذا الاجراء الاحتلالي يكشف بوضوح الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي التي تمارسها اسرائيل في الاراضي المحتلة، وبالتالي هذه المسألة تعتبر خاصرة رخوة يمكن العمل من خلالها على العديد من المحاور لا سيما على الصعيد الدولي فما اقدم عليه الاحتلال تحدي لكل المواثيق الدولية يزيل اي لبس تجاه ممارسات الفصل العنصري التي تتبعها دولة الاحتلال وتتطابق مع التقرير الدولية التي صدرت قبل فترة وجيزة وتشير بوضوح لما يجري في فلسطين .
السؤال الاهم الان ربما هو كيف يمكن تحويل ملف اقتحام المؤسسات لحركة فاعلة محليا ودوليا؟ خصوصا مع تخبط الاحتلال ازاء الخطوة التي قام بها مؤخرا وردود الفعل الدولية لنقطة ارتكاز قوية لفضح مجمل منظومة الاستيطان الاستعماري، واجراءات الفصل العنصري والانطلاق منها لتشكيل جبهة دولية تضم مؤسسات وحركات ولجان تضامن وتوسيع الحملات خصوصا حملات المقاطعة، وابراز توصيف الطابع الفاشي كونه عنوان ما يجري في بلادنا، وبالتأكيد دون اغفال او اسقاط قضايا القدس، والاستيطان، والاسيرات والاسرى وحق العودة المسألة المباشرة اليوم تحتم العمل من الجميع بطريقة متناسقة موحدة الاهداف والخطاب بالاعتماد على ما جرى للانتقال من المفهوم الدفاعي وردود الفعل الى الهجوم المنظم بادوات قياس متفاهم عليها .
من الاهمية الادراك ان توسيع الحراك الجاري والرسائل متعددة الاتجاهات والموقف الحصين بفتح مقر م. ت . ف الرئيس لاستضافة المؤسسات في رسالة هامة الى الاطراف الدولية، وهو ما فعلته شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية قبل ذلك وتنظيم حملات واسعة، ووضع يافطات تحت عنوان “هنا المقر المؤقت للمؤسسات الضمير، الحق، بيسان، العمل الزراعي، الصحي، الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال، ولجان المراة ليتم لصقها على جدران ومداخل المقرات والمؤسسات والاندية، ومن الاهمية احتضان الجانب الرسمي لذلك لتعزيز حالة التناغم في تعبئة الرأي العام المحلي، ومن الاهمية ايضا التصميم على عدم السكوت على جريمة الاحتلال، ومخاطر عدم التصدي لها فهي نقطة تحول ينبغي التقاطها، والعمل من خلالها كي لا يتم اسكات صوت المجتمع المدني الفلسطيني او الاستفراد به تحت اي ظرف، وبالامكان اذا ما جرى العمل بشكل موحد وواسع ليس فقط الدفاع عن المؤسسات وفضح محاولات تشويهها، وانما ايضا اسقاط قرار الاحتلال الجائر بحقها، وافشال محاولات تقويض عمل مؤسسات العمل الاهلي الفلسطيني، وبالامكان ايضا احراز الكثير من النتائج، والعمل على المراكمة على وخلق حالة ترابط هامة بين قضايا متعددة ومتشابكة بالتدريج، وهزيمة هذه السياسة الخطيرة للاحتلال التي لن تقتصر على مؤسسات معينة بل ستصل للكل دون استثناء